وحشة مكان ..
أستودع الله أحبابي الذين نأوا
و خلفوني في نيران تبريح
أستنشق الريح من تلقاءِ أرضهمُ
لقد قنعت من الأحباب بالريح
مرهفة شفافة جميلة كبساتين التوت ..
تهب قلبها لأرواح العصافير ..
تهبه حتى لقاتلها الأجير .!
تمشي على النار وهي تحذره باهتمام :
إياك أن تعبر حافياً فالطريق مليئة بشظايا أحلامي المحطمة .!
يقول لها :
تاريخي ملوث ..
إن قرأتيه ستصابي بالعمى
ترد :
حبك الذي سيبقى
قبل سفرها بدقائق سكبت دمها لتطهير جروح غيرها ، ثم غادرت في سفرها .. في وجعها ..
شفافيتها الصادقة في زمن ملوث بالخديعة ، جعلها وديعة للاغتراب ، ربما هذا ما يفسر ألمها الشخصي ، حيث تمنح الآخرين الاحساس بالرضا والفرح والطمأنينة ، بينما تعاني في داخلها حزناً عميقاً ، وآلاماً ممتدة في ذاكرتها الموجوعة..
بعد رحيلها بقيت لوحة مفاتيحها نائمة في حضن ليل يبكي غيابها
أزيز كرسيها كأزيز المرجل..
مرآتها ، مناشفها ، شراشف نومها ، مازالت معلَّقَة على مشجب الانتظار
فنجانها يبكي صباحه ، وقهوة أمها أصبحت مشروب كآبة لزج
نافذتها تنكرت لأهلها فلم يعد بإمكانهم مشاهدة الجامع القريب ، حتى المؤذن احتجب عن الآذان هذا المساء احتجاجاً على غيابها ..
مذ فارقت عامر أهلها والعصافير في صمت كئيب ..
مدينتها بعدها كمدينة موبوءة باللعنة ..
الطرقات خالية ..
فَتَرَتْ ثغور الصبية ..
ورد الربى سافر بشذاه معها ..
والكآبة تهز متن المدينة التي تقف كعاشقة متشحة بالسواد أمام قبر حبيبها ..
أحلامها على شرفات العيون ..
ومازال قطارها يسير بين قضيبين ..
تتأمل بلؤلؤتيها العصافير التي تهرب على وقع صوته ..
الأشجار التي تعدوا
الأعمدة التي ترحل
وكل شيء يفر
لكم اشتاقت ذات الرحيق المختوم إلى الفرار من ذاكرة المكان .!
ويغفو الشعاع ، على همس البنفسج والياسمين
وعاشقها يسبح عكس تيار الزمن ..
يبتسم للبحر والمسافرين ..
يبحث عن المرافئ التي لم يذهبا إليها بعد ..
عن تلك الأيام التي في انتظارهم ..
عن نجوم شغوفة بأحلام السوسنة
وعن أجمل الكلام الذي لم يكتبوه بعد .